في زمنٍ تزدحم فيه الشاشات والرسائل والإشعارات، يظهر مطعم KI في حي حطين بالرياض كمكان مختلف تمامًا — مساحة هادئة تُعيد للإنسان علاقته الأولى بالحواس.
منذ اللحظة الأولى، تشعر أن الدخول إلى هذا المكان ليس دخولًا إلى مطعم بقدر ما هو انتقال إلى طقس من الهدوء والتركيز.

طقوس البداية: الانفصال عن العالم
قبل أن تبدأ الرحلة، يُقدَّم لك مشروب زنجبيل دافئ يوقظ الحواس، ثم تُعطى منشفة معطّرة، ويُطلب منك بلُطف وضع هاتفك في الخزانة.
قد يبدو ذلك غريبًا في عصر السرعة والاتصال، لكنه ما يميّز فلسفة z — أن تستعيد تركيزك على التفاصيل الصغيرة: طعم، رائحة، ضوء، وحركة يد الطاهي.
هنا، لا مكان للصور ولا للضوضاء الإلكترونية. فقط أنت والطعام.
يسمّيها البعض “ديتوكس رقمي”، لكنها في الحقيقة عودة إلى الإنسان كما هو — حاضرًا بكامل وعيه، بلا مشتتات.

من اليابان إلى الرياض: حكاية المذاق والاتزان
ائمة KI ليست مزدحمة. كل طبق فيها يشبه فصلًا من رواية يابانية هادئة.
تبدأ التجربة مع شوربة الميسو الخفيفة أو توم يم الحارة بلمسة آسيوية، ثم تنتقل إلى أطباق السوشي الملفوفة بعناية أشبه بعمل فني.
الاهتمام بالتفاصيل هنا مذهل — طريقة تقطيع السمك، توازن الخل في الأرز، وحتى درجة حرارة الطبق عند التقديم.
لكن أكثر ما يثير الدهشة هو كيف تُقدَّم المأكولات اليابانية بلمسة سعودية راقية، توازي بين الصفاء الياباني والكرم العربي.
فلا مبالغة في النكهات، ولا ازدحام في التوابل. فقط طعام صادق يُقدَّم كما هو، ليمر عبر الحواس واحدة تلو الأخرى.
أطباق لا تُنسى
من سلطة المانجو ذات اللمسة الاستوائية إلى شرائح التونة فوق عجينة بيتزا رقيقة — كل طبق له نغمة خاصة.
لكن اللحظة التي تتوقف فيها الحواس فعلًا هي عند تذوق ستيك الواغيو: قطعة لحم بطراوة الزبدة ونكهة غنية من الطهو البطيء.
تُقدَّم في طبق أسود أنيق، وفي كل لقمة مزيج من الحلاوة والملوحة والدخان الخفيف.
الحلوى لا تقل إبداعًا — أطباق تجمع بين البساطة اليابانية والتقديم الفني، تختم التجربة بطريقة تجعلها تبقى في الذهن طويلًا.
فلسفة المكان: طعام، فن، وحضور
الديكور في KI امتداد لفلسفة “وا” اليابانية، وهي تعني الانسجام.
الإضاءة خافتة ودافئة، الطاولات متباعدة، والموسيقى الخلفية تتنفس بإيقاع بطيء، كأنها تتحدث مع أنفاسك.
لا لافتات، لا صخب. كل تفصيلة محسوبة لتخدم غاية واحدة: أن تكون حاضرًا بالكامل في وجبتك.
زرت المكان في أكتوبر 2025، وكانت التجربة قريبة من التأمل أكثر من كونها عشاء.
في عالم يركض بسرعة الضوء، يُقدّم KI لحظة توقف، فرصة لأن تتذوّق لا فقط بطرف لسانك، بل بعقلك وذاكرتك أيضًا.
قد يهمك ايضا: انتركوت دي باريس: تجربة راقية بلمسة فرنسية في برج الفيصلية
نصائح للزيارةالموقع: حي حطين – شمال الرياض.
الفئة: تجربة فاخرة، مناسبة للأفراد أو الأزواج الباحثين عن هدوء واستكشاف حسي.
نقطة مميزة: لا يُسمح باستخدام الهواتف داخل المطعم.
الأفضل للزيارة: المساء بعد الغروب — الإضاءة والموسيقى تجعل الجو أقرب إلى طقس تأملي.
الحجز: يُفضّل الحضور المبكر، فعدد الطاولات محدود لتجربة أكثر خصوصية.
الخلاصة
مطعم KI ليس مجرد وجهة طعام، بل تجربة ذهنية وحسية متكاملة.مطعم KI ليس مطعمًا تقليديًا، بل تجربة متكاملة من الانسجام بين الحواس.
مكان يدعوك لتعيش الوجبة ببطء، لتسمع صوت السكين وهي تقطع، وتستشعر دفء الطبق ورائحة الزنجبيل، وكأنك جزء من لوحة فنية تُرسم أمامك.
إنه ليس مجرد “مطعم ياباني فاخر”، بل مفهوم فلسفي عن الحضور، حيث يتحوّل الطعام إلى فعل وعي، والذوق إلى شكل من أشكال التأمل.
في KI، تغذية الحواس ليست وعدًا… بل تجربة حقيقية.




